البرجوازية



البرجوازية (من الفرنسية Bourgeoisie، ومن اللاتينية المتأخرة Burgus- المدينة المحصّنة) وكانت تعني أصلاً، في القرون الوسطى، سكان المدن المحصّنة من الفئات الاجتماعية الميسورة الأحوال التي هي وسط بين الشعب والنبلاء. بمعنى أنها طبقة اجتماعية محددة. وتضم الأشخاص ذوي الدخل المستقل، أو الذين يحققون لأنفسهم نوعاً من الاكتفاء الذاتي ولهم سمات وعادات اجتماعية خاصة بهم. ويعيش المنتمون إلى البرجوازية في الأغلب حياة ميسورة. وبتعبير آخر، تتألف البرجوازية من الأشخاص الذين لايمارسون أي مهنة من المهن اليدوية. وبهذا التحديد يخرج العمال والفلاحون وصغار الموظفين من إطار البرجوازية التي هي نقيض الطبقة العاملة (البروليتارية).
 
اتخذ مفهوم البرجوازية تاريخياً معاني مختلفة. ففي مطلع القرن الحادي عشر كانت كلمة Burgenses الفرنسية تعني سكان مدينة حديثة النشأة يعيشون نمطاً حياتياً جديداً في المدن خارج حدود الأرض التي يمتلكها الإقطاعي، ويمارسون في الغالب مهنة التجارة، ثم غدت كلمة Burgenses مرادفةً لكلمة تاجر قبل أن تأخذ الكلمة Bourgeois معناها المعروف في القرون الوسطى، إذ باتت تعني الشخص الذي يملك حقوقاً تتعلق بملكية قطعة أرض في المدينة أو بملكية عقارية. ثم تطور مفهوم البرجوازية في القرن الثامن عشر في فرنسة حتى صار يعني طبقة اجتماعية مؤلفة من التجار ومالكي العقارات وأصحاب المهن الحرّة، كما صار تعبير البرجوازية نظاماً اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً أيضاً، إضافة إلى كونه يعبر عن ذهنية لها مظاهرها الخاصة التي نبعت من صميمها أفكار الثورة الفرنسية. فبعد أن اغتنت البرجوازية بفضل الامتيازات التي حصلت عليها وبفضل تطور التجارة، دخلت عالم الحياة السياسية، وصارت حليفة للنظام الملكي في مواجهة طبقة النبلاء المتمردة. وقد استمر هذا التحالف حتى نهاية القرن الثامن عشر حين قامت الثورة الفرنسية وأحدثت زلزالاً في العلاقة بين الملكية والبرجوازية. 

تمثل البرجوازية مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي، وتُعد أساساً للكثير من الأفكار والمظاهر الاجتماعية الحديثة. فقد نشأت البرجوازية في أحشاء المجتمع الإقطاعي حاملة أسلوب الإنتاج الرأسمالي الأرقى وارتبطت بالتراكم الأولي لرأس المال الذي قام على انتزاع الأراضي وأدوات العمل من الجماهير الشعبية الواسعة. ومع تطور القوى المنتجة حلّت المانيفاكتورة (المصنع اليدوي) محل نظام الإنتاج الحرفي. ثم تلتها الصناعة الآلية الضخمة [ الثورة الصناعية] وامتلك رأس المال الصناعي وسائل الإنتاج وتركّزت ثروة مالية هائلة في أيدي البرجوازية. وتوطد النظام الرأسمالي بقيمه البرجوازية وأهمها: الفردية والمبادرة وفكرة الفرص المتكافئة والنجاح الشخصي أو ما يسمّى «أخلاق الإنجاز».

قامت البرجوازية في مراحلها الأولى بدور ثوري تقدمي في الصراع مع النظام الإقطاعي، فتحْتَ قيادة البرجوازية صُفِّيت العلاقات الإقطاعية وإسقاط التصوّر الطبقي الإقطاعي للإنسان. وقد أسهمت البرجوازية في تطوير العلم والتقانة (التكنولوجية) وفي رفع إنتاجية العمل، وحطّمت نمط الحياة الذي كان غالباً في العصور الوسطى.
وبنتيجة الثورات البرجوازية الممتدة من القرن السادس عشر إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر وصلت البرجوازية إلى السلطة السياسية وأصبحت هي الحاكمة في أغلب بلدان أوربة الغربية وفي الولايات المتحدة الأمريكية. ومع تحوّل الرأسمالية إلى الامبريالية (أواخر القرن التاسع عشر) ثم إلى رأسمالية الدولة الاحتكارية (منذ الحرب العالمية الأولى تقريباً)، ومع دخول حكم الطبقة العاملة مسرح التاريخ تغير أثر البرجوازية في المجتمع تغيراً جذرياً، وصار نضال الطبقة العمالية الطليعية في مواجهة الرأسمالية مضمون المرحلة المعاصرة من تاريخ البشرية وسمتها الأساسية.
والبرجوازية من وجهة نظر كارل ماركس هي الطبقة الغالبة في المجتمع الرأسمالي، المالكة لكل وسائل الإنتاج والتبادل، المُسْتَغِلَّة للعمل المأجور. 

تطورت البرجوازية في مختلف البلدان بصور مختلفة حددتها الخصوصيات القومية في تلك البلدان. كانت إنكلترة مثلاً بلد الثورة الصناعية الأول، في حين غابت المرحلة الإقطاعية في الولايات المتحدة، وتأخر التصنيع نسبياً في إيطالية. وفي سياق تطوّر مختلف أشكال رأسمالية الدولة الاحتكارية واتساع الثورة العلمية التقنية حدثت تطورات داخل البرجوازية، أدت عملية تمركز رأس المال والإنتاج وتجمعهما إلى إفلاس قسم كبير من الرأسماليين الصغار والمتوسطين، وقسم من الرأسماليين الكبار أيضاً، ممّا أدى إلى انخفاض نسبة الطبقة البرجوازية من مجموع السكان النشطاء اقتصادياً من ذوي المداخيل المستقلة، وكذلك من مجمل عدد السكان في البلدان الرأسمالية. وتحولت البرجوازية من طبقة كثيرة العدد نسبياً، في الماضي، إلى نخبة حاكمة قليلة العدد، ولكن بالغة التمركز والقوة في المجتمع. 

المراجع 

 
ـ ريجين بَرنو. البرجوازية في شتى مراحلها، تعريب إنعام الجندي (منشورات حمد، بيروت).

ليست هناك تعليقات: