الدكتاتورية
dictatorship،
أحد أشكال أنظمة الحكم، التي شغلت حيزاً هاماً من نشاط السلطة السياسية الحاكمة في
العصر الحديث. شملت بلداناً مختلفة، ولا زالت أحد الخيارات المفروضة في بعض الدول
النامية، بوجه خاص، مستمدة شرعيتها الواقعية من معاناتها وأزماتها الاجتماعية
والسياسية، وقد وجدت جذورها التاريخية في النظام الروماني القديم.. فهي مصطلح
سياسي، يوصف به نظام الحكم، الذي تتركز فيه السلطة بيد حاكم فرد، يتولى السلطة عن
غير طريق الوراثة، وبطريق القوة، أو يتولاها بطريق ديمقراطي يفضي فيما بعد إلى
تركيز السلطة بيده. يمارسها بحسب مشيئته، ويهيمن بسطوته على السلطتين التشريعية
والتنفيذية، ويُملي إرادته على القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، من دون
أن يكون هناك مراقبة حقيقية على أداء نظامه أو معارضة سياسية في المجتمع.
خصائص
النظام الدكتاتوري
على الرغم
من تعدد واختلاف الأنظمة الدكتاتورية، من حيث الوسائل والأهداف، إلا أن هناك خصائص
مشتركة تميزها من غيرها، وأهمها:
1- تغيير
الدستور وأسس النظام: تهدف معظم الدكتاتوريات حين تستولي على السلطة بالقوة والعنف
إلى تغيير أسس النظام الذي انقلبت عليه، وهذا يقتضي تغييراً دستورياً ينعكس في شكل
النظام السياسي، وتبديلاً في التوجيهات السياسية والاقتصادية.
2-
الدكتاتورية ذات طابع مؤقت: تلجأ الأنظمة الدكتاتورية، حين تستولي على السلطة،
بالقوة وبغير الطرق الدستورية، ولاسيما عن طريق الانقلاب العسكري، إلى الإعلان عن
أن إجراءاتها المتعلقة بتعطيل الدستور أو تغييره، وحجب الحريات الفردية والعامة،
تمثل مرحلة مؤقتة للعبور إلى مرحلة قادمة، أكثر استقراراً ورغداً وحرية. وأن هذه
المرحلة المؤقتة مرهونة بأوضاع استثنائية تمر بها البلاد.
3- الدكتاتورية
نظام شمولي كلي: وهذا يعني أن سلطة الدولة تمتد إلى كل نواحي نشاط أو حياة الفرد
في المجتمع، فلا شيء يتعلق بالفرد، سواء حرياته أو حقوقه أو معتقداته. ينبغي أن يمارس
بعيداً عن سلطة الدولة التي تمثل المجتمع، فالدولة كلٌ كتلةٌ لا تقبل فصل السلطات.
فهي سلطة مطلقة كلية سياسية، فليس في الدكتاتورية رأي خارج فكر الدولة، ولا حق
فردي يعلو على الدولة وتعد الحريات بمثابة منحة منها للأفراد تقررت من أجل الصالح
العام.
4- الدكتاتورية
سلطة مركزية: يعمد الدكتاتور إلى تركيز كافة السلطات بيده، ولاسيما المؤسسات
والسلطات التي تعدّ عماد النظام. فهو:
أ ـ يعزز
هيمنته على المؤسسة العسكرية، بوصفها مصدر الخطر على نظامه.
ب ـ يهيمن
على أجهزة الأمن، ويوسع نشاطها وصلاحياتها.
ج ـ استخدام
وسائل الإعلام، كجهاز دعاية لأهدافه وأعماله. وإخضاع الفكر لمعتقداته وآرائه.
د ـ تركيز
الاقتصاد وإدارته، بحيث يكون الدكتاتور مركز التوجيه والقرار في النشاط الاقتصادي.
هـ ـ منع
معارضة خططه وأفكاره، حتى ولو جاءت من أعوانه والموالين له.
5- الدكتاتورية
تستند إلى أسلوب القوة والعنف: سواءً وصل الدكتاتور إلى الحكم بطريق الانقلاب
العسكري، أو الحركة الثورية الشعبية، فإن العنف واستخدام القوة، هما سبيله، وذلك
بصرف النظر عن الهدف الذي ينشده. وغالباً ما تعدّ الأحكام العرفية الوسيلة التي
يستخدمها النظام لقمع المعارضة وتبرير العنف والسجن.
6-
الدكتاتورية تأخذ بنظام الحزب الواحد: يعمد الدكتاتور إلى إقامة صلاته مع الشعب عن
طريق الحزب السياسي الموالي له، ومن خلاله ينشئ مجتمعاً سياسياً في البلد الذي
يحكمه، ويستطيع التحكم به كما يريد. وهناك نموذجان لنظام الحزب الواحد.
أنواع الدكتاتوريات التقليدية
ثمة أشكال
متباينة للدكتاتوريات في العصر الحديث، إلا أنه يمكن إدراجها في إطار ثلاثة أنواع:
1-
الدكتاتوريات ذات الطابع الأيديولوجي: وهي الدكتاتوريات التي تستند إلى مذاهب
فكرية وسياسية، ترى أن حرية الفرد لا تنفصل عن حرية المجتمع، وأن المجتمع جسد واحد
لا مجرد عدد من الأفراد، والفرد ليس له حقوق إلا بوصفه أحد أعضاء التنظيمات
الاجتماعية في المجتمع. وتُعزز هذه المذاهب نزعة العظمة وتجسيد البطولة عند
الدكتاتور ليصبح زعيماً وقائداً للأمة.
2- الدكتاتوريات
التي لا تستند إلى أسس أيديولوجية: يمكن وصفها بأنها دكتاتوريات الأمر الواقع، وهي
التي تفرض حاكمها بالقوة العسكرية، ولا تستند إلى أرضية فكرية أو فلسفية بحكم
سياساتها. إنما تأتي إلى الحكم في سياق أزمة اجتماعية أو سياسية تؤدي إلى ضعف في
السلطة القائمة.
3-
الدكتاتوريات القومية (الإصلاحية والثورية): شهد العالم بعد الحرب العالمية الأولى
ظهور نزاعات قومية أدت إلى حدوث انقلابات عسكرية في دول شتى، ولاسيما في أوربا،
كما سجل الكفاح ضد الاستعمار ونشاط حركة التحرر الوطني بعد الحرب العالمية
الثانية، ظهور نظم حكم ذات توجه تحرري ثوري، اتخذت طابعاً دكتاتورياً، عدّته من مقتضيات
عملية التحول الثوري ومواجهة مصالح الاستعمار. ويمكن أن تُحدد نماذج منها في
القارات الثلاث.
المراحع
ـ عبد
الحميد متولي، القانون الدستوري والأنظمة السياسية (دار المعارف، مصر).
ـ جورج سباين،
تطور الفكر السياسي، ترجمة حسن جلال العروسي (دار المعارف، مصر).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق