ما هي الميكانيكا الكمومية

هندسه وفزياء
 
تتعامل الميكانيكا الكمومية مع نظم ذات أحجام ذرية أو تحت الذرية؛ مثل الجزيئات والذرات والإلكترونات والبروتونات وغيرها من الجسيمات الأولية. وقد أدت بعض الصعوبات التي واجهت الميكانيكا الكلاسيكية في أواخر القرن التاسع عشر، مثل إشكالية إشعاع الجسم الأسود واستقرار الإلكترونات على مداراتها، إلى التفكير بأن جميع أشكال الطاقة تتنقل على شكل حزم متقطعة غير قابلة للتجزئة، وتسمى كُمُومَات أو "كوانتوم". وقد قام بتشكيل هذا المفهوم، الفيزيائي الألماني ماكس بلانك سنة 1900، وقدم من خلاله ألبرت أينشتاين تفسيرًا للمفعول الكهروضوئي والذي يتبين من خلاله بأن الموجات الكهرومغناطيسية تتصرف في بعض الأحيان بطريقة تشبه تصرف الجسيمات.


وضعت مبادئ الميكانيكا الكمومية خلال العشرينات من القرن الماضي، من قبل مجموعة متميزة من الفيزيائيين. في سنة 1924، توصل لويس دي بروليه إلى إدراك أن الأجسام أيضا يمكنها أن تتصرف على أنها موجات، وهو ما يعبر عنه بمثنوية الموجة والجسيم. وقدمت على خلفية ذلك صياغتان رياضيتان مختلفتان وهما؛ الميكانيكا الموجية التي وضعها إرفين شرودنغر وهي تنطوي على استخدام كائن رياضي يسمى دالة الموجة، يصف احتمال وجود جسيم في بقعة ما من الفضاء وميكانيكا المصفوفات التي أنشأها فيرنر هايزنبرغ وماكس بورن، وهي تصف الجسيمات على أنها مصفوفات تتغير مع الزمن.

ومع أن هذه الأخيرة لا تشير إلى دالة موجة أو مفاهيم مماثلة، إلا أنها تتوافق مع معادلة شرودنغر ومع الملاحظات التجريبية.

وقد شكل مبدأ عدم اليقين الذي صاغه هايزنبرغ في سنة 1927 أحد أهم مبادئ الميكانيكا الكمومية، وهو ينص على محدودية قدرتنا في قياس خاصيتين معينتين لجسيم ما في نفس الوقت وبدرجة عالية من الدّقة. ويضع هذا حدًا لمبدأ الحتمية المطلقة الذي يشير إلى إمكانية التنبؤ بشكل دقيق بحالة نظام انطلاقا من حالته السابقة، حيث أن الظواهر الكمومية لا يمكن تفسيرها إلا بطريقة إحتمالية. وقد أدى هذا الأمر إلى جدال علمي كبير دار بين أعظم فيزيائيي القرن العشرين، بما فيهم ألبرت أينشتاين الذي عارض هذا التفسير الاحتمالي بالرغم من إسهاماته الهامة في تأسيس الميكانيكا الكمومية.


وفي سنة 1928، قام الفيزيائي البريطاني بول ديراك بوضع الميكانيكا الكمومية بصيغتيها الموجية والخطية (المصفوفات) ضمن صياغة أشمل في إطار نظرية النسبية الخاصة. وقد تنبأت صياغته بوجود الجسيمات المضادة. وتم تأكيد هذا الأمر تجريبيا سنة 1932، باكتشاف مضاد الإلكترون أو البوزيترون.

لاقت للميكانيكا الكمومية نجاحاً كبيرًا في تفسير العديد من الظواهر مثل الليزر وشبه الموصلات، وقد نجمت عنها تطبيقات تقنية مهمة، على غرار الصمام الثنائي والترانزستور، التي تعتبر حجر الأساس في الإكترونيات الحديثة. وفي الكيمياء، يعتمد جزء كبير من فهم ديناميكا وبنية الجزيئات، والطريقة التي تتفاعل بها، وتكوين الروابط الكيميائية على دالة الموجة. كما تعتمد الكيمياء الحاسوبية على النظريات الكمومية في أدائها الرياضاتي، لتحليل ومحاكات نتائج التجارب الكيميائية. أما في علم الأحياء، فقد تمكنت الميكانيكا الكمومية من تفسير الآلية التي يحدث بها تحويل الطاقة خلال التمثيل الضوئي في النباتات وبعض صنوف البكتيريا. وكذلك عملية الإبصار لدى الحيوانات.

ويعمل الباحثون في الوقت الحاضر على العديد من التطبيقات الأخرى المستقبلية في المعلوماتية، مثل الترميز الكمومي والحاسوب الكمومي.

ليست هناك تعليقات: